فهرس الموضوعات

حقوق الانسان والطفل

حُقوق الإنْسَان في الاسلام

ميثاق الطفل في الإسلام

اتفاقية حقوق الطفل

أيـــــذاء الـطـفـل

ماهو؟ من؟ لماذا؟ كيف؟

الاعتداء العاطفي

الاعتداء الجسدي

الاعتداء الجنسي

الإعتـداء بالإهـمـال

الإعتداء على الطفل الرضيع

العـنف الاســري

التعريف والتشخيص

مظاهره ومعالجاته

الوقــــايـة

العنـف المـدرسـي

المظاهر، العوامل، العلاج

العقاب البدني واللفظي

العنف في الاعلام

التأثير على الأطفال

إشكالية العنف في الإعلام

وسائل الترفيه للطفل المسلم

الإعاقة والأعتداء

عوامل الخطورة

الاعتداءات الجنسية

التربيه الجنسيه والتعامل الاجتماعي

التربية الجنسية للأطفال والمراهقين ذوي الاحتياجات الخاصة

منوعـــــــــــــــات

قوانين وتشريعات

مطويات ونشرات

مختارات من المكتبات


الدراسات
المكتبة

العنف السيكولوجية والعلاج

الكاتب : الدكتور علاء الدين القبانجي

القراء : 12850

العنف السيكولوجية والعلاج

الدكتور علاء الدين القبانجي
 
تعريف وتمهيد
العنف ذلك السلوك المقترن باستخدام القوة الفيزيائية وهو ذلك الفايروس الحامل للقسوة والمانع للمودة. لم يكن العنف في يوم من الأيام ولن يكون فطرياً بل كان دوماً قدراً أحمقاً مكتسباً في النفس البشرية. فلم يكن الإنسان عنيفاً يوم ولدته أمه بل أن عنف الطبيعة وعسر الحياة والتربية وعنف الآباء هو الذي يغرز العنف في خلايا الدماغ حتى حملته صبغياته الوراثية فكاد أن يكون موروثاً.
 
          وليس لنا في الحقيقة إلا التمييز والتفريق بين عنف الطبيعة في زلازلها وبراكينها وزمهريرها، والعنف إلالهي في سلاسله وسعيره وسقره، والعنف الحكومي بإرهابه وهراواته ورصاصه... وعنف الإنسان للحيوان بتعذيبه وسلخ جلده وقتله وعنف الإنسان لأخيه الإنسان الذي يشمل ضمناً عنف الأب ضد أبناءه وعنف الرجل ضد المرأة وعنف الرجل ضد الرجل وعنف الإنسان لنفسه وما يهمنا في هذه الدراسة هو عنف الإنسان لأخيه الإنسان وعنف الإنسان لنفسه وهو الموضوع الذي قل ما يستعرض في التحليلات النفسية نظراً لبعده الواقعي وليس النظري عن مفهوم الجريمة والمفهوم القانوني وسنحاول في هذه المقولة دراسة مساراته وسبر أغواره.
 
          ونظراً لاتساع جوانب العنف وأسبابه وأبعاده أخذ علماء الاجتماع في تقسيم الموضوع وتصنيفه إلى العنف المدرسي والعنف العائلي والعنف الإعلامي والعنف الحكومي... الخ.  وكلها تدخل في مضمار العنف الاجتماعي وعلى أساس نوعي آخر يتم تصنيف العنف إلى ثلاثة أنواع هي العنف النفسي والعنف اللفظي والعنف الجسمي.
عنف الإنسان لأخيه الإنسان ما يزال قيد التحقيق والدراسة وسيبقى ويظل موجوداً ما دام التعقل والجنون موجودين وسيظل مرهوناً بالصراع المتواجد بين العقل والجنون. ولن يكتب لهذا العنف أن يهدأ في النفس الإنسانية إلا إذا أمكن التلاعب هندسياً بجينات الإنسان وصبغياتها الوارثية ولكن يمكن انحساره كماً وكيفاً إلى درجاته الدنيا.
عنف الإنسان لنفسه هو الآخر لم ينته بعد من تجارب العلماء والمحققين وهو في حقيقته بعيد عن الصفة العدوانية ضد الغير أو لنقل ضمور الغريزة العدوانية ضد الغير في هذا النوع من العنف. وعلى أية حال فإننا نجد أن العنف في وجه من وجوهه معصية لله ولرسوله وعدم الالتزام بأوامره ونواهيه وسننه وهو وسيلة لإرضاء الشيطان وسخط الرحمن وفي أسلوبه جريمة يعاقب عليها المجتمع والقانون.
 
       وللعنف مناظير أخرى فالعنف برأي الدكتور مصطفى حجازي هو لغة التخاطب الأخيرة الممكنة مع الواقع ومع الآخرين حين يحس المرء بالعجز عن إيصال صوته بوسائل الحوار العادي وحين تترسخ القناعة لديه بالفشل في اقناعهم بالاعتراف بكيانه وقيمته. كما يشير الدكتور حسنين توفيق إبراهيم في كتابه ظاهرة العنف السياسي في النظم العربية إن العنف هو ظاهرة مركبة لها جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية وهو ظاهرة عامة تعرفها كل المجتمعات البشرية بدرجات متفاوتة. أما ساندا بول روكنغ فيقول بأن العنف هو الاستخدام غير الشرعي للقوة أو التهديد باستخدامها لالحاق الأذى والضرر بالآخرين أو تعريف وقد يقترن العنف بالقوة أو الإكراه أو القسر أو التكليف والتقييد وهو سلوك نقيض للرفق وقد يقال عنه بأنه صورة من صور القوة المبذولة على نحو غير قانوني بهدف إخضاع طرف لإرادة طرف آخر (عبد الرحمن بدوي 1982 ص441) أو هو الاستعمال غير القانوني لوسائل وأساليب القسر المادي أو البدني ابتغاء تحقيق أهداف شخصية أو جماعية (رضا 1974 ص147).
         والذي يبدو في هذه التعريفات أنها توازي بين العنف ومخالفة القانون فقط في الوقت الذي قد لا نعطي القانون اغلب جوانب العنف في نفس الوقت الذي نجد أنها لا تعبر بصورة حقيقية عن مفهوم العنف أساساً إذ أننا نستطيع التساؤل عندئذ بأن تطبيق القانون بالاكراه والقوة والمصلحة الدولية يعتبر مخالفاً للقانون أم لا؟
ولربما يربط البعض بين العنف والعدوانية التي يعتبرها البعض أحد الأجزاء المكونة للغريزة الجنسية (النظرية الجنسية فرويد 1905) وهو بخلاف ما نذهب إليه حيث أن العنف كما المحنا قد يمثل وجهاً من اوجه العدوانية الغريزية أحياناً.
         والعنف هو أحد اوجه الروح السادية الكابتة في الفرد وانعكاس من انعكاسات الأنا والأنانية لديه حتى وإن كان في حالة الدفاع.دينستين الذي يشير إلى أن العنف السياسي هو استخدام وسائل القوة والقهر أو التهديد باستخدامها لالحاق الأذى والضرر بالأشخاص والممتلكات وذلك من اجل تحقيق أهداف غير قانونية أو مرفوضة اجتماعياً. أما تعريف العنف برأي ايسنارد فهو كغيره من أشكال السلوك وهو نتاج مأزق علائقي بحيث يصيب التدمير ذات الشخص في نفس الوقت الذي ينصب فيه على الآخر لإبادته فتشكل العدوانية طريقة معينة للدخول في علاقة مع الآخر، ويعرفه عدد من علماء السلوك بأنه نمط من أنماط السلوك الذي ينبع عن حالة إحباط مصحوب بعلامات التوتر ويحتوي على نية سيئة لالحاق ضرر مادي ومعنوي بكائن حي أو بديل عن كائن حي.
        ومن التعاريف السابقة للعنف والتي اتصفت ببعض الجوانب الخاصة كالقانون والسياسية والاقتصاد نستطيع التعميم بالقول بأن العنف قد يوجه من الشخص لنفسه وليس بالضرورة من الشخص لطرف آخر كما أن العنف قد يكون مصاحباً بقوة خفية غير ظاهرة المعالم كالكهرباء والسم وبهذا نذهب إلى أكثر واعمق مما ذهبت إليه بعض تلك المصاديق التعريفية كما يحلو للبعض تسميتها بعنف المصلحة الذي يخدم مصلحة الشخص العنيف بخلاف العنف الشخصي الناتج عن عقوبة الذات وتأنيب الضمير.
سايكولوجية العنف

        العنف صورة من صور القصور الذهني حيال موقف، والعنف وجه آخر من اوجه النقص التقني في الأسلوب والابداع في حل ومواجهة معضلة وقد يصل العنف لمراحل الانهيار العقلي والجنون كما قد يكون وسيلة من وسائل العقوبة والتأديب أو صورة من صور تأنيب الضمير على جرم أو خطيئة مرتكبة ولن يتعدى في كل أحواله القصور الذهني والفكري لدى الإنسان وهو في حالة من حالاته اضطراب في افرازات الغدد الهرمونية في جسم الفرد وعدم تناسب أو انتظام في التوزيع الهرموني داخل الجسم الذي قد ينتج أحيانا عن سوء في التغذية أو سوء اختيار نوعيتها.
         وأياً ما تكون العلة الفيزيولوجية أو البيئية فالعنف مرفوض حضارياً واخلاقياً وسلوكياً واجتماعياً ولكن ما اقتنع مجتمع أو فرد بالعنف إلا وكانت له جذور ذكرناها سابقاً وقد نلمح ونتطرق إلى بعضها الآخر لاحقاً في مباحث جديدة في الأعداد القادمة.
         العنف دليل من دلائل النفس غير المطمئنة وصورة للخوف من الطرف الآخر مهما تعددت أشكال ذلك الخوف، وانعكاس للقلق وعدم الصبر والتوازن، ووجه من وجوه ضيق الصدر وقلة الحيلة وقد يلم العنف بصاحبه فتراه يضرب نفسه أو ينطح رأسه بالجدار أو يقطّع شعر رأسه ألماً وانتقاماً من فكرة أو وسوسة في الدماغ قد لا يكون لها أساس من الصحة والمنطق. وهو أي العنف في مثل هذه المراحل يكون مؤشراً لضعف الشخصية ونقصان في رباطة الجأش وتوازن السلوك.
والعنف في وجه من وجوهه حلوى مسمومة للصغار والأطفال ومدرسة سلبية للشباب في سنين المراهقة وخداع لعقولهم في خط الحياة والمستقبل وتضليل لمسار الفكر الإنساني في عقولهم وتطبيع نفوسهم على القسوة الكامنة في العنف والتي قد تتحول في النفس إلى عنف من نوع آخر لا تحده حدود غير الحقد والكراهية مثل حالات القتل الجماعي والتمثيل الجسماني... الخ.
 
        القسوة والفظاظة الكامنة في العنف قد تتحول من صفة الاكتساب إلى صفة الوراثة فالاغتصاب والقسوة الجنسية مثلاً لن يخلفا إلا كمداً ولن يزرعا إلا اضطراباً وحسرة في النفس المتلقية والجنين المولود وبذلك تخلق معادلة الكآبة وتستمر لا تنتهي بانتهاء الحياة بل تتوالد من جديد في اصلاب قادمة.وهكذا خلف الاجداد العنف في ارحام نسائهم وأورثناه نحن في اولادنا وهلم جرا وإن كان كامناً في صبغة من أصباغ ملايين الحيامن المنوية وهكذا تجد العنف متلبساً في بعضنا تلبس الشيطان ومتقمصاً فينا تقمص الذئب لجدة ليلى لا يتوقف ولا ينتهي بل يخلق عنفاً آخر.
        ان لتربية الأسرة وسلوكية الأبوين أثراً بالغاً على تحديد الشخصية العنيفة العدوانية إذ يتوخى الأطفال الذكور تقليد الأب والانجرار خلف سلوكياته والتطبع بها من دون مراعاة للقيم التي قد لا يعرفونها بعكس الإناث اللواتي يتوخين تقليد سلوكيات أمهاتهن من دون مراعاة للقيم التي قد لا يعرفنها أيضاً. وبديهي أن هذا الانجرار يصاحبه مباركة من الأبوين أو لنقل التغاضي عنهما أما المهاترات والضرب العائلي فينتقل بصورة لا إرادية وبالمحاكاة إلى الأطفال ليصبح سلوكية الأبناء بالروح العدوانية والتهجمية المصاحبة للعنف وعليه ينصح علماء الاجتماع بعدم استعراض أي من تلك الحالات أمام الأطفال ولتكن بمعزل عنهم.
       
         وعلى الرغم من اختلاف تأثير الحرمان الأمومي وحتى الابوي من طفل لآخر ومن مجتمع لآخر علاوة على التمييز والتفريق بين الأطفال ببعضهم البعض وعلى الرغم من أن الكثير من الأطفال المحرومين ينشأون بصورة سلوكية سوية بعدئذ إلا أن الحرمان الأمومي والأبوي بكافة جوانبه المادية والمعنوية يعتبر من اهم حوافز ومولدات العنف والسلوك غير الهادئ وذلك نظراً لما يتركه هذ الحرمان من آثار عميقة في المجالات الذهنية والاجتماعية والعضوية أحياناً وحتى على كيمياويات الافرازات الهرمونية في جسم الفرد ـ وتتجلى آثار الحرمان الأمومي والابوي كظاهرة منتشرة في دراسة بيرز واوبرز (1950) على عينة من 38 مراهقاً سبق وأن دخلوا مؤسسات الرعاية الاجتماعية بين الأسبوع الثالث والسنة الثالثة من عمرهم حيث لوحظت تلك النتائج بصورة جلية في أعمارهم بين السنة السادسة عشرة والثامنة عشرة حيث تعرض 21 شخصاً منهم إلى اضطرابات وطبيعة عدوانية وشراسة حادة بينما عانى أربعة فتيان من العينة ذاتها من التخلف العقلي وعاقد اثنان منهم العصاب ولم ينج إلا سبعة مراهقين حيث كان سلوكهم مقبولاً. وتتجلى انعكاسات الحرمان الأمومي بصورة واضحة على التوأم وكذلك الأطفال المولودين بصورة متعاقبة وبفاصل زمني متقارب.
وليس هذا فقط بل إن الصدمات النفسية المبكرة والاعداد غير السليم لوضع المراهقين والنشاط الجسمي وعدم القدرة على تحقيق الرغبات كل ذلك يزيد الانفعالية الناتجة عن عدم الانتظام في الافرازات الهرمونية في خلايا الجسم والذي يؤدي بدوره إلى السلوكية العدوانية والعنف.
 
           القهر الاجتماعي هو الآخر من أحد اهم مكونات العنف ليس للفرد فحسب بل في المجتمع أيضاً إذ أن مسألة الازدراء والسخرية والاستهزاء بالشخصية خصوصاً بين الأطفال والشباب أو حتى في الأسرة الواحدة كفيلة بأن تزيد الافرازات الهرمونية العصبية والعدوانية في الجسم لتثير في الفرد روح العنف والحقد والكراهية واستخدام القوة للرد ورفع القهر الناتج عن الاستهزاء إذ تشير العديد من التقارير المدرسية بأن أكثر المشاكل العنيفة بين الطلاب كانت بسبب السخرية والاستهزاء وتسلط الكبار على الصغار كما تذكر تقارير من اليابان بأن هذا القهر الناتج عن الاستهزاء أدى إلى انتحار تسعة طلاب دون الرابعة عشرة من العمر في العام 1985م كان احدهم فتى هادئاً وديعاً.
إن القهر الاجتماعي لا يتوقف عند السخرية والاستهزاء بل يتعدى ذلك ليأخذ أشكالاً أخرى متعددة فمن عدم المساواة الشخصية والنبذ الاجتماعي واغتصاب الحقوق واختلاف اللغة أو القهر اللغوي وعدم العدالة في بعض المواقف الإدارية والتربوية والقانونية كلها عناصر مولدة للعنف والعدوان الفردي والاجتماعي فكثيراً ما نلاحظ أن القهر الإداري يدفع الموظف لركل الطاولة أو إغلاق الباب بعنف وقوة أو الانفجار بالسباب أحيانا كثيرة.
ولا ننسى أن نشير هنا إلى أن العنف هو صورة الأنا والأنانية في الفرد وأن العلاقة بينهما مضطردة فكلما زادت ألانا كان العنف هناك فالتهمة الشخصية كالتكفير والزندقة والتهجم وإهانة الشخصية كلها عوامل تذكي الأنا العدوانية عند الفرد وتزيد من حساسيتها.
 
          وعلى الرغم من كثرة البحوث التي تشير إلى سلبية تأثير وسائل الإعلام كافة واعتبارها أحد أهم وسائل انتشار العنف المكتسب لدى الأطفال والمراهقين شأنها بذلك شأن الافلام الجنسية المثيرة للمراهقين إلا أن تلك الوسائل الاعلامية ومن يقف ورائها من الناشرين والمخططين ما زالت تتخذ من مادة العنف والجريمة، والقتل وحوادث الاعتداء والتفجيرات والاغتيالات وقتل الأطفال... الخ مادة دسمة لاخبارها واعلامها حتى بلغت نسبة هذه الأحداث 75% من المادة الاخبارية في الوقت الذي تبلغ فيه المادة العلمية 25% في مجمل المادة الاخبارية وحبذا لو تتغير النسبة ويتغير أسلوب العرض الاخباري؟؟! حرصاً على الاجيال القادمة ولنسجل بذلك سبقاً صحفياً واعلامياً وسايكولوجياً على الغرب .
          إن الشيء الملفت للنظر والجدير بالإشارة هو أن التنشئة الاجتماعية وحتى الاسرية للفرد مبنية على تركيز رفع درجات الحقد والكراهية والانتقام ضد الأسرة المعارضةي أو المجتمع المعارض في الطرف الآخر متناسين العوارض الجانبية لهذا التركيز حيث أن الحقد والكراهية والانتقام قد تتأصل في النفس أو المجتمع وتعود على بعضه بالوبال وبذلك ينطبق المثل القائل على نفسها جنت براقش ومتناسين بذلك أيضاً أن الكذب وعدم العدالة من أسرع الصفات السلبية التي تتأصل في النفس البشرية ومن أهم مقومات العنف.
 
          يعتبر الاستفزاز في الكثير من الدراسات العالمية من أهم محفزات ومكونات العنف سواء كان ذلك للأطفال والشيوخ والحوامل وحتى الحيوانات إذ أن تأثيره غير العادي على تغيير إفرازات الغدد الجسمية للطرف الآخر كفيل بخلق الاضطراب النفسي والفكري المصاحب للعنف والعدوانية حيث تجد الكثير من أولئك الذين يدفعهم الاستفزاز للاعتداء وتحطيم الأثاث والسيارات وكل شيء امامهم أو ركل الكرسي وتحطيم النوافذ وإغلاق الباب بقوة وغضب كرد فعل عنيف للاحباط وعدم الرضا والقهر أحيانا أخرى.
وهاتان الخصلتان الاستفزاز والتنشئة الاجتماعية المنزلية (القَدْح) كانتا السبب لدى الكثير في رفع الروح العدوانية والعنف المدرسي فالتنشئة الاجتماعية المنزلية المبنية على الردع والذم والسباب.. الخ تخلق الروح العدوانية المكبوتة لدى الطفل بينما يساعد الاستفزاز على تأجيح تلك الروح العدوانية لدى الطفل وهو ما يؤدي إلى أكثر تلك الصراعات المدرسية قبل بداية الدوام وعند انتهاء الدوام وخروجهم إلى المنازل.
إذ تشير الدراسات التربوية المدرسية إلى أن نسبة 85% من تلك الصراعات الطلابية العدوانية ترجع إلى كل من الاستفزاز والسخرية والتربية أو التنشئة المنزلية إذ أن 75% من هؤلاء هم من ذوي العائلات ذات المشاكل الأسرية الغير سليمة.

عنف التربية
     لنستعرض هنا قليلاً من موارد العنف الناتج عن سوء التربية تاركين العنف الموروث مكبوتاً في حيامنه والذي كان في زمن ولى ومضى عنفاً مكتسباً بالتربية. واتذكر هنا ذلك الأب العراقي الجنسية الدارس في بريطانيا آنذاك والذي أمر ابنه بضرب ابن الجيران بالحجر لأنه أخذ الكرة منه ليعلب بها لدقائق فيا حسرتاه على ذلك الابن من ذلك الأب وتلك التربية إذ ما أن كبر واشتد عوده أخذ ينهال على أبيه سباً وشتماً إن لم نقل ضرباً ولربما شهد الكثير بوجود هذه الحالات في كثير من المجتمعات العربية والمشرقية ولا اعرف تفسيراً لهذا الموقف. فلماذا لم يختر الأب البدائل المتعددة كأن يخرج ليأخذ بنفسه الكرة من ابن الجيران ويصلح بينهما أو يرسل أخاه بدلاً عنه ليأخذ الكرة ويرجعها أو يدع الأطفال يحلّون مشاكلهم بينهم وفق توصيات اصلاحية أو يدع ابن الجيران يلعب قليلاً بالكرة حتى يكتفي وتقر نفسه ومن ثم يرجع الكرة فهو في النهاية صديق ولده... الخ. وتكثر البدائل ولكن الاختيار لم يكن إلا اختياراً للعنف السيء المصاحب للقصور الذهني والتقنية التربوية.

         وأتذكر أيضاً تلك المرأة التي كانت تضرب رأسها بالجدار لتعديل درجة النسيان والوسوسة في داخل نفسها عند كل خطأ ترتكبه في صلاتها وكأنها تعاقب نفسها أو ذلك الرأس على ذلك الخطأ تاركة كل البدائل الممكنة من التسبيح والبوصلة واستخدام جهاز التسجيل للصلاة بأكملها أو الائتمام بالاخرين لعلاج هذه المشكلة ولن انسى أيضاً تلك المرأة التي كانت تشقق ثوبها وتلك التي كانت تقطع شعرها جزعاً وخوفاً ورعباً لدى كل مشكلة غير محتملة لديها ومهما كانت بسيطة وكأن ذلك السلوك يهدئ من روعها ويحل معضلتها وكم كان الرعب يصيب الأطفال عند مشاهدة تلك المناظر وكم يقيسون عندئذ بأن ضرب الرأس وتقطيع الشعر وتمزيق الثياب قد يكون حلاً للمعضلة.
كما لن انسى، ذلك الطفل الذي يسقط على الأرض ونظره متعلق بأمه ثم بدأ بالصراخ والعويل لا لسقوطه على الأرض بل لفزع أمه عليه وجزعها في نظرتها إليه وصراخها من هلعها عليه وكم كان موقف الأب جريئاً وتربوياً عندما طلب من الطفل أن ينهض وينظف ملابسه الجديدة من التراب الذي علق عليها جرّاء السقوط بدلاً من البكاء والعويل. ونتذكر ذلك الابن المرعوب جراء تأنيب وتعزير والديه له على كل خطأ قد يرتكبه وإن كان عفوياً.
            وتلك الحكومة التي كانت تعاقب أبناءها ومواطنيها لمجرد التفكير باسلوب مغاير أو حتى موازٍ لمسارها والكل يعلم أن التفكير من العمليات اللاارادية في دماغ الإنسان وتلك الحكومة التي اتبعت سياسة العنف وسيلة للحكم واستقرت على رعب المواطن وخوفه سنين طوال أدى إلى نشوء الأمراض والعقد النفسية لدى اجيال متعددة يتوارثونها جيلاً بعد جيل.
وأتذكر ذلك الأب الذي يحتقر ويزدري زوجته أمام أولاده وكم يزرع في نفس الذكور منهم نفس الازدراء وذات السلوك ضد امهم واخواتهم الإناث اللواتي ينتابهن الخوف والاحباط والجزع والتسليم للأمر الواقع.
وكم نتذكر لنكتب عن عنف التربية في العالم العربي والاسلامي وكم ندرس لنبحث فالكل يعرف ويشكو التربية والعنف المصاحب لها وتأثيرها السلبي والكل لا يبالي ويبرر!!!
ميكانيكية الردع والعلاج

        إن مرض العنف النفسي في حاجته إلى العلاج لا يختلف عن الأمراض الجسمية الأخرى كما لا يختلف عن الأمراض النفسية المتعددة فقد سبق أن أوضحنا أنه مزيج جسمنفساني وذهني في آن واحد وليس من السهل زمنياً وتقنياً تحقيق النتائج المطلوبة ولكن بتطبيق الارشادات الطبية والعلاجات الروحانية والدراسات العلمية الاجتماعية علاوة على التوعية الثقافية المتواصلة نستطيع الوصول إلى مرحلة لا نقول باندثار العنف فيها بل نقول بتضائله أو وقوفه عند حد لا يتصاعد بعده. وبهذا يمكننا تلخيص تلك الميكانيكيات العلاجية بالنقاط التالية:
o الكلمة الطيبة الوادعة: جاء في الحديث أن الكلمة الطيبة صدقة تدفع العنف والكراهية وتربي نفس الفرد على المودة وتساعده على حسن السلوك. وباشاعة روح الكلمة الطيبة في المجتمع سوف لن يجد العنف مجالاً للنمو والترعرع.
o النظرات الهادئة الناعسة: توحي النظرات الناعسة والهادئة للطرف الآخر بالطمأنينة وعدم الارتياب والخوف وعدم التشنج بعكس تلك النظرات القاسية المشككة والتي تثير الاستفزاز ولربما تؤدي النظرات الهادئة والناعسة إلى انتظام افراز الهرمونات في الخلايا الجسمية المولدة للعنف وهذا يتضح من مراقبة بسيطة وتحليل لمواقف بعض الحيوانات إذ أنها تستطيع أن تقرأ أو تفهم روح العداء والعنف من عيون ونظرات الحيوان الآخر. فلحركة العيون في الإنسان اثر واضح في رد العنف والعدوان إذ نجد أنه كلما تناعست العيون أي قلت وخفت حدة نظراتها قل العنف والعنف المضاد في الإنسان وهو ما يظهر بوضوح وجلاء عند المرضى والكهول والشيوخ.
o الاعتدال الغذائي: الامتناع عن تناول الأطعمة المثيرة للحساسية فمما لا شك فيه أنها تساعد على سوء الهضم وعدم انتظام أو قصور الإفرازات الهرمونية في الجسم الأمر الذي يؤدي بالفرد إلى التوتر والعصبية المصاحبة للعنف وحبذا لو يستشار الطبيب بذلك.
o الهوايات الفردية والترويح النفسي: تساعد الهوايات الجسمية والنفسية على امتصاص عدم التوازن الهرموني في الجسم والمؤثر في السلوك الإنساني وتوجيهه باتجاه معاكس للعنف والعدوانية فهواية القراءة، وجمع الطوابع، والنقود، والموسيقى، والركض ولعب الكرة بأنواعها... إلى غيرها من الهوايات التي تركن لها النفوس من دون حصر وكذلك إطلاق الحرية في اختيار الهواية المناسبة للأطفال والشباب حسب أعمارهم كالسباحة وركوب الخيل والدراجات والسيارات... الخ تساعد على تحويل العنف إلى علاقات جسمية أو نفسية هادئة وديعة كما تصرف الذهن وخلاياه عن التفكير بالعنف لانشغالها وانغماسها بتلك الهوايات وتطويرها وإن مجّ الفرد إحدى هذا الهوايات أو أكثرها كان من واجب علماء النفس والتربية ومتصدي الإصلاح في المجتمع خلق هوايات أخرى تتماشى وتوجهات ذلك المجتمع وعلاقته بالعنف.
 
    ولربما نستطيع التأكيد على أن من أهم الهوايات التي تقلل العنف أو تمنعه هي السباحة ومع الأسف نجد أن الكثير من البلدان الإسلامية ولأزمنة قريبة مثل ليبيا وايران والسعودية واليمن لا تهتم بالسباحة بل تتركها للفرد والقدر وللاستثمار من دون اعطائها تلك الميزة التربوية على الرغم من توجيه وتوصية الإسلام بها فمع الأسف نجد أن اغلب المسابح أو كلها مسابح صيفية في الوقت الذي نلاحظ ندرتها في الشتاء وكأن العنف لديهم مرهون بفصل الصيف دون فصل الشتاء. كما تشير الإحصائيات الكثيرة إلى انعدام العنف أو تضاؤله عند أولئك الذين يمارسون هواية السباحة بشكل متواصل دون انقطاع حيث تقضي السباحة على التوتر الفكري والعصبي عند الإنسان وبصورة مباشرة. وحبذا لو يتم توسيع هذه الهوايات واعطائها الطابع الإسلامي وتبينها من قبل المراجع والمسؤولين عن تربية المجتمع وتوجيههم الصحيح بدلاً من العنف المصاحب لتأجيح العواطف واستفزازها.

          إن هواية تربية الحيوانات والطيور المنزلية خصوصاً للأطفال والشباب تولّد فيهم روح العناية والرعاية وحب الطرف الآخر وتغيير السلوك العدائي إلى سلوك التعايش السلمي كما تنمي موهبة التعامل لدى الفرد والطفل مع من هم أقل واقصر منه وتحمّل وتحليل بعض السلوك القاصر الصادر من مثل هذه الحيوانات وتعلم كيفية تربيتها وتدجينها ودراسة سلوكياتها واخلاقياتها مما يصرف الفرد أو الطفل عن روح العداء والتذمر والكثير من السلبيات الناتجة عن ضيق الصدر..
ولعلنا نستطيع القول وبحزم بأن من واجب الآباء دفع أبنائهم لممارسة وإعتناق إحدى الهوايات أو عدداً منها ولربما نذهب بعيداً ونطالب الآباء والمسؤولين والمتصدين للتربية وعلم الاجتماع إلى وضع دراسات اجتماعية وخلق هوايات جديدة تتناسب مع ذات المجتمع وعواطفه وميوله من دون تقليد للآخرين ونختم هذه الفقرة بما روي عن الإمام علي… قوله (روّح النفس ساعة فإنها إن ملّتْ كلّتْ وإن كلّت عَميتْ).
o الاسترخاء: تفيد علميات الاسترخاء كثيراً في التقليل من حالات العنف المصاحب للغضب وعملية الاسترخاء تعني ترك العضو الجسمي كاليد أو الرجل من دون حركة لفترة زمنية وبصورة لا يتدفق فيها الدم إلى العضو الجسمي بكميات كبيرة وهو أشبه إلى التخدير منه إلى النوم.
o تقوى الله: إن تقوى الله وهو الملاذ الأكبر في نهاية المطاف يمنع القسوة والغلظة وهو بالتالي يردع العنف رغم حق القصاص الفردي الذي قد يتضائل أمام مفهوم العفو والإصلاح ومصداقية الفرد المؤمن.
o الصلوات والتوجه إلى الله: تمثل الصلوات وسيلة من وسائل ردع العنف عند الشخص بينما يساعد التوجه إلى الله على توازن وانتظام الإفرازات الهرمونية الجسمية عند الفرد بابعاده عن مكونات الإثارة والاستفزاز.
o الأجواء البيئية: للبيئة تأثير كبير على تصعيد درجة العنف عند الفرد فالصحراء والطبيعة القاسية والنحيب والضجيج وعدم الاستقرار والهدوء وحتى التلوث البيئي لأي سبب من الأسباب يعتبر من إحدى المقومات الاستفزازية الباعثة والمسببة للعنف أو حتى تقبّله بصورة طبيعية إذ أن الانتظام الهرموني والسلوكي مرهون بالتأثرات والتغيرات البيئية المحيطة بالفرد وعليه ينصح العلماء باختبار البيئة الجوية والاجتماعية المناسبة لتقليل العنف المصاحب للتوتر في مثل هذه الحالات.
o رفع القهر الاجتماعي: لاحظنا أن القهر الاجتماعي في الفقرة السابقة هو أحد مكونات العنف عند الفرد وبالتالي لابد من اتباع الوسائل التي تقلل من تأثيرات هذا القهر وينصح العلماء بأن المشاركات الاجتماعية والانضمام للجمعيات الاصلاحية ومساندتها مثل جمعيات حقوق الإنسان وجمعيات الرفق بالحيوان وجمعيات الدفاع عن حقوق المرأة وجمعيات الرعاية الصحية وجمعيات الإحسان الخيرية ونقابات العمال والفلاحين... الخ تعتبر من الوسائل المهمة في تقليل العنف المصاحب للقهر الاجتماعي.
o النضج السلوكي: تكليف الشباب والصغار بمسؤوليات ومهام منزلية، أو ادارية يساعد كثيراً في النضج السلوكي لديهم عن غيرهم ممن لم يحضوا بهذه الخصوصية. إن معاملة الصغير باسلوب كبير يساعد على نضجه السلوكي الأمر الذي يقلل من انفعاليته وعنفه.
o الحركات الكشفية: إن مشاركة الشباب والأطفال بالحركات الكشفية أصبحت في الوقت الحالي ضرورة من ضروريات المعاملة الكفوءة مع الأحداث اليومية للحياة ويلاحظ أن مردودها النفسي يفيد كثيراً في التقليل من العنف لدى الأفراد حتى بعد تركهم تلك الحركات الكشفية.
o نظرية امتصاص العنف بالعنف: يؤمن البعض بأن العنف ذاته قد يشكل رادعاً للعنف إذا تم استخدامه بصورة علمية ومدروسة مثل مباريات الملاكمة والمصارعة وكرة اليد والركبي هي من الألعاب والهوايات العنيفة التي وضعت وفق أسس أخلاقية واجتماعية تجارية وتربوية قادرة على تحويل العنف السلبي إلى عنف رياضي إيجابي يكتسب الاحترام. كما أن افلام العنف أيضاً تشكل مثلاً آخراً على نظرية امتصاص العنف بالعنف والتخلص من المحاربين بالحرب... وهكذا تطغى التجارة حتى على عقول الأطفال والمراهقين الذين ليست لهم القدرة على استيعاب فكرة امتصاص العنف بالعنف المضاد. والحقيقة أن الأمثلة السابقة لا تقدم دليلاً على امتصاص أو تقليل العنف بالعنف بل يمكن تكليف الشخص بأعمال عضلية عنيفة مثل الركض ورفع الاثقال وتقطيع الشجر وتكسير الحجر.
o الحب والزواج: الحب نقيض الكراهية وهي إحدى مقومات ومولدات العنف في النفس البشرية وفي مجتمعاتنا حيث ينظر للحب بمنظار سلبي ترتفع نزعات الحقد والكراهية والتطرف الناتج عن الكبت العاطفي المثير للعنف الجنسي والعدوانية وبإطالة فترة الخطوبة بين الجنسين يتعلم الطرفان خلاها تغليب سلوك الحب ومراعاة الطرف الآخر علاوة على ايجابيات أخرى نحصد في محصلتها انتفاء الكراهية والعنف بين الطرفين وفي كل المجتمع.
 
المراجع
1. العدوانية في الانسان، انتوني سقور، ترجمة فلاح الخالصي.
2. في سايكولوجية العدوان، اسعد النمر.
3. سلوك السلوك، مقدمة في أسس التحليل السلوكي.
4. علم الاضطرابات السلوكية، د. ميخائيل إبراهيم اسعد، مؤسسة النوري.
5. العنف والجريمة، دكتور جليل وديع شكور، الدار العربية للعلوم.
6. تكنولوجيا السلوك الإنساني، د.ف. سكيز، عالم المعرفة، 320.
 
المصدر - مركز عفت الهندي للإرشاد الالكتروني

 أطبع المقال أرسل المقال لصديق


[   من نحن ? |  البوم الصور | سجل الزوار | راسلنا | الصفحة الرئيسية ]
عدد زوار الموقع : 6539512 زائر

مجموعة المسـاندة لمنع الاعتداء على الطفل والمرأة

جميع الحقوق محفوظة