فهرس الموضوعات

حقوق الانسان والطفل

حُقوق الإنْسَان في الاسلام

ميثاق الطفل في الإسلام

اتفاقية حقوق الطفل

أيـــــذاء الـطـفـل

ماهو؟ من؟ لماذا؟ كيف؟

الاعتداء العاطفي

الاعتداء الجسدي

الاعتداء الجنسي

الإعتـداء بالإهـمـال

الإعتداء على الطفل الرضيع

العـنف الاســري

التعريف والتشخيص

مظاهره ومعالجاته

الوقــــايـة

العنـف المـدرسـي

المظاهر، العوامل، العلاج

العقاب البدني واللفظي

العنف في الاعلام

التأثير على الأطفال

إشكالية العنف في الإعلام

وسائل الترفيه للطفل المسلم

الإعاقة والأعتداء

عوامل الخطورة

الاعتداءات الجنسية

التربيه الجنسيه والتعامل الاجتماعي

التربية الجنسية للأطفال والمراهقين ذوي الاحتياجات الخاصة

منوعـــــــــــــــات

قوانين وتشريعات

مطويات ونشرات

مختارات من المكتبات


الدراسات
المكتبة

عندما يصبح العنف طريقة حياة

القراء : 1830

طفل يصرخ بوجه أمه ويهدّدها أن يشكوها لوالده عندما تطلب منه كتابة فروضه المدرسية، أو الكف عن ضرب أخوته، وطفلة تتغيب عن المدرسة لأيام لتتجنب عقاب معلماتها وعائلتها.

"لم أعد أسيطر على أطفالي، أشعر أنني أعيش في دوامة من العنف معهم"، هكذا بدأت زاهرة حنّون ــ وهو إسم مستعار ــ حديثها حول ما آلت إليه حال أسرتها.

ورغم أن الأم عادة ما تحسم أمرها في ضرب أبنها خالد(13عاما) لسلوكه العنيف وسلمى (14 عاما) لكذبها الدائم وبقية أطفالها ، إلاّ أنها سرعان ما تستسلم لنوبة من البكاء والحزن بعد ذلك.

لمن لا يعرفها تبدو حنّون ــ وهي في منتصف عقدها الثالث ــ امرأة جميلة لكنها عصبية ولولا نظرة الحزن في عينيها لكان من السهل القول أنها امرأة سعيدة.

زاهرة حّنون ربة منزل من الطراز الأول، هاجسها الأول ترتيب بيتها والعناية بأطفالها الخمسة، لكن باستثناء بيتها المرتب بذوق يثير الانتباه فإن كل شيء آخر في حياتها مشوش ومبعثر بصورة مربكة.

تعيش حنّون في دائرة من العنف، فزوجها إعتاد ضربها عند اعتراضها على سلوكه وسهره الدائم خارج المنزل مع أصدقاء السوء، وهي بدروها تضرب أبنائها التي بدأت تصرفاتهم تتسم بالعدوانية والاستفزاز.

تقول " تزوجت منذ خمسة عشر عاما، الأشهر الأولى في زواجي كانت مثل الحلم، لكن سرعان ما تحول حلمي إلى كابوس، فزوجي يسهر حتى منتصف الليل مع أصدقائه ويعود ثملا، وعندما أغضب وألومه ليتوقف عن سلوكه السيئ ينهال علي بالضرب".

تداري زاهرة وجهها بكفيها وهي تقول" أعيش في دوامة من العنف، كنت أصبر على سوء معاملة زوجي لأنني كنت أجد التعويض في أولادي لكني اليوم أدرك أنني سأخسرهم أيضا".

في الكثير من الليالي كان الأطفال يستيقظون على صوت صراخ وبكاء الأم، في المرات الأولى كانوا يصرخون خوفا وكان ذلك يجدي في منع الأب عن مواصلة ضرب الأم، لكن الوضع تبدل لاحقا حيث أعتاد الأطفال البقاء في فراشهم رغم صراخ الأم، وانتظار أن يعود الصمت ثانية للبيت".

تقول حنون" الأشياء تتغير لكن ببطء والأسوأ أن أطفالي هم من تغيروا، ابني خالد أصبح عصبيا وحاد المزاج، ولا يتوانى عن ضرب أخوته وخصوصا أخته الكبرى سلمى"14 عاما" بأي شيء يقع تحت يده"،

"بعد كل يوم لعب بالحارة أعرف مسبقا أن أبني اعتدى على أحد الأولاد بالضرب أو الشتم الجارح، حتى بات أغلب أولاد الحارة يتجنبون اللعب معه" تعلق حنون بيأس. أما سلمى فتلجأ للكذب لتبرير أي خطأ أو موقف مهما بلغت تفاهته خوفا من العقاب".

وتضيف" علمت من المدرسة منذ شهرين أن سلمى تغيبت ثلاثة أيام متواصلة عن دوامها المدرسي، لم أصدق في البداية ظننت أن خطأ ما حصل، فهي كانت تذهب للمدرسة كل يوم صباحا كالمعتاد".

وتضيف" عندما واجهتها مديرة المدرسة بالأمر اعترفت أمامي بعد الكثير من الكذب أنها كانت تنفق وقتها تتسكع في محيط المدرسة حتى لا تعاقبها المعلمات على تقصيرها في واجباتها المدرسية".

ويؤكد عبد الرازق غزال رئيس قسم الإرشاد التربوي في وزارة التربية والتعليم" هناك علاقة وثيقة بين العنف المنزلي والتحصيل الأكاديمي للطالب، وكلما زاد العنف داخل المنزل، زادت إحتمالات التراجع الأكاديمي، إضافة لشعور الطالب بالخوف والإنطواء وإحيانا العدوانية".

ويعلق " أن هذه المشكلة تحتاج الى جهد شمولي من المرشد في المدرسة والهيئة التدريسية والأهل، وبدون تعاون هذه الأطراف معا، سيبقى الجهد الذي يبذله المرشد مع الطالبة التي تعاني من المشكلة ناقصا".

ولا تخفي حنون أنها تلجأ لاستعمال العنف اللفظي والجسدي ضد أبنائها بشكل شبه يومي كأسلوب تربية لهم، معلنة أنها استنفذت كل طاقتها في الكلام والإقناع لكن دون فائدة.

ويبدو إستخدام العنف ضد الأطفال في المجتمع الفلسطيني شائعا، حيث تفيد نتائج مسح العنف الأسري الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2006 الى أن" أكثر من نصف الأطفال في المجتمع الفلسطيني (51,6) تعرضوا للعنف خلال عام 2005 حسب ما أفادت به الأمهات.

وتفضل الأم عدم إخبار الأب بمشاكل أطفاله، فهي تعلم من تجربتها أن الحل عنده سيكون في ضربهم بشدة، ولن يتم استثناءها حين تحاول تخليص أحدهم من يده.

ولأن العائلة تعيش مخيم مكتظ بالسكان قرب نابلس، بشكل يتيح للأم البقاء على تماس مع الكثير من القصص التي تكرر نفسها لجارات وصديقات يتعرضن لشكل من أشكال العنف بشكل يومي على الأقل، ويمارسنه على أطفالهن كأسلوب تربية.

وتواسي زاهرة نفسها قائلة"لست الوحيدة التي يضربها زوجها، هناك اثنتين من جاراتي يضربهن أزواجهن لكن بسبب الفقر والحاجة الاقتصادية الماسة التي تجعل أزواجهن لا يستطيعون تلبية احتياجات البيت، ويجدون في ضرب زوجاتهن وسيلة للتنفيس عن غضبهم، ومواجهة أي احتجاج أو شكوى لزوجاتهم".

وتفيد ذات الدراسة الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء المعدة ما بين كانون أول 2005 وكانون ثاني 2006 ، "أن 61,7% من النساء في الأراضي الفلسطينية اللواتي سبق لهن الزواج تعرضن لعنف نفسي، بينما تعرضت 23,3% تعرضن للعنف الجسدي، في حين تعرضت 10,9 للعنف الجنسي ولو لمرة واحدة على الأقل من قبل الزوج خلال عام 2005.

وتقول حنون" في حالتي أنا الوضع مختلف فزوجي موظف ودخله مستقر، ولم يكن المال يوما أحد مشكلاتنا لكن سوء تصرفاته وصحبته السيئة هي السبب".

ورغم قدرتها على تحليل الأمور بقدر عال من المنطقية والتفهم، إلا أن حنون، تقف عاجزة عن تغيير الواقع الذي تعيشه ووضع حد لتسلط زوجها وعنفه، لعلمها أنها لا تملك أي أداة تغيير.

وتتساءل "ماذا يمكنني أن أفعل هل أترك بيتي وأذهب لبيت عائلتي، فوالدي متوفي، ووالدتي غير قادرة على إعالتي وأطفالي ماديا، فقد لجأت لها منذ سنوات عندما ضاقت بي الدنيا، لكنها نصحتني بالعودة لبيت زوجي حتى لا أصبح مطلقة وأكون عالة على أشقائي المتزوجين".

ولا تملك حنون أي شهادة أو حرفة بإمكانها الاعتماد عليها، فوالدتها لم ترسلها وأخواتها الإناث الأربعة إلى المدرسة، لأنها كانت تؤمن" أن لا فائدة من تعليم البنات إن كن سيتزوجن بنهاية الأمر".

وتقول" لست وحدي التي تفضل البقاء في بيت رجل يسيء لها على العودة لمنزل عائلتها، فأشقاء زوجي الاثنين يضربون زوجاتهن، ومع ذلك لا يتركن بيوتهن بهدف الحفاظ على أطفالهن".

وترى الأخصائية النفسية في جمعية المرأة العاملة اعتدال الجريري" أن عدم اعتبار المرأة أن العنف الممارس ضدها مشكلة فهذه هي الكارثة بحد ذاتها".

وتتسق نتائج الجهاز المركزي للإحصاء مع ما تقوله الجريري، حيث أظهرت نتائج مسح العنف الأسري ذاته" أن 27,9% من النساء يوافقن أن يقوم الزوج بضرب زوجته في حال أنها خرجت من البيت دون إستئذان".

ولم تتوجه زاهرة في حياتها إلى أي مؤسسة نسويه لطلب النصح أو الإرشاد النفسي رغم علمها بوجود هذه المراكز في مدينة نابلس ــ وليس المخيم حيث تعيش ــ ، مبررة ذلك" بأن لا أحد يستطيع أن يفعل شيئا لتغيير حياتي للأفضل!!!".

وتبرر الجريري عدم توجه النساء المعنفات لطلب الإرشاد بسبب اعتبارات اجتماعية "غلب الستيرة ولا غلب وفضيحة"، وأخرى اقتصادية تتلخص بالخوف من فقدان الدعم الاقتصادي الذي يوفره لها الزوج تحت غطاء الزواج، وعدم امتلاكها بديلا أخر للإنفاق".

حنّون وغيرها من النساء المعنفات يدركن هذه الإعتبارات جيدا، لكن ما لا تدركه المؤسسات النسوية أن الخطوة الأولى يجب أن تأتي من القائمين على المؤسسات، وليس من النساء الغارقات بالعنف وحسابات الخسائر.

وحول اللجوء الى الشرطة وتقديم شكوى، تتفاجأ زاهرة قائلة" هذا جنون، لا يمكن أن أفضح نفسي وأتوجه الى الشرطة، ثم لو فكرت بأنانية وفعلت ذلك من سيتقدم يوما ما ليطلب يد ابنتي التي تبلغ"14 عاما"".

ولا يبدو رأي حنون مستغربا، فقد أظهر استطلاع أجرته جمعية المرأة الفلسطينية العاملة للتنمية عام 2002، أن 53,7% من النساء المستطلعة أرائهن يوافقن على أن تدخل الشرطة لدى اعتداء الرجل على زوجته هو أمر غير لائق، معتبرات الأمر "مسألة عائلية".

وتؤكد الجريري" أن العمل الميداني مع النساء المعنفات يثبت أن الرأي السابق لم يتغير بعد".

ويؤكد عدنان الضميدي المتحدث باسم الشرطة في الضفة الغربية ذلك قائلا" أن عدد النساء اللواتي يلجأن الى الشرطة لتقديم شكوى ضد من مارس عليهن العنف لا يكاد يتجاوز أصابع اليدين، ومن تتقدم بالشكوى تسحبها بعد ساعات على تقديمها".

ولعل فقدان ضمانات حماية تقدمها الشرطة للنساء المعنفات، إضافة لغياب السرية ووجود محققين مختصين بقضايا العنف ضد النساء لا يشجع الكثيرات منهن على المضي قدما بشكواهن إن ملكن الجرأة على تقديمها أساسا.

تنظر حنون الآن بقلق كبير إلى مستقبل كانت تراهن فيه على أولادها لتعويضها عن سنوات طويلة من سوء معاملة زوجها، لكنها باتت تدرك أن أطفالها أيضا باتوا في دائرة العنف التي كانت هي أولى ضحاياها يوما، لكن ربما سيمض وقت طويل قبل أن تقرر زاهرة قرع الجرس وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

موقع مفتاح

 أطبع أرسل لصديق


[   من نحن ? |  البوم الصور | سجل الزوار | راسلنا | الصفحة الرئيسية ]
عدد زوار الموقع : 6346425 زائر

مجموعة المسـاندة لمنع الاعتداء على الطفل والمرأة

جميع الحقوق محفوظة