فهرس الموضوعات

حقوق الانسان والطفل

حُقوق الإنْسَان في الاسلام

ميثاق الطفل في الإسلام

اتفاقية حقوق الطفل

أيـــــذاء الـطـفـل

ماهو؟ من؟ لماذا؟ كيف؟

الاعتداء العاطفي

الاعتداء الجسدي

الاعتداء الجنسي

الإعتـداء بالإهـمـال

الإعتداء على الطفل الرضيع

العـنف الاســري

التعريف والتشخيص

مظاهره ومعالجاته

الوقــــايـة

العنـف المـدرسـي

المظاهر، العوامل، العلاج

العقاب البدني واللفظي

العنف في الاعلام

التأثير على الأطفال

إشكالية العنف في الإعلام

وسائل الترفيه للطفل المسلم

الإعاقة والأعتداء

عوامل الخطورة

الاعتداءات الجنسية

التربيه الجنسيه والتعامل الاجتماعي

التربية الجنسية للأطفال والمراهقين ذوي الاحتياجات الخاصة

منوعـــــــــــــــات

قوانين وتشريعات

مطويات ونشرات

مختارات من المكتبات


الدراسات
المكتبة

بدلاً من الصراخ في وجه الأطفال

القراء : 7662

بدلاً من الصراخ في وجه الأطفال

 
أنا أشعر أن ردود أفعالي على تصرفات أبنائي الخاطئة تبدو انفعاليةً بشكل زائد.
عندي طفل يبلغ من العمر سنتين ونصف، وهو نشيط عادةً، ولكن ليس بصورة مرضية، أشعر أنني أبالغ في عقابه أو الرد على أخطائه وبخاصة مع تعب وإرهاق نهاية اليوم، وحتى لا تفهموني خطأً فأنا لا أضربه عدا ضرباتٍ خفيفةً على يديه، ولكنني أصرخ في وجهه، وأعزله لدقائق في غرفته أحيانًا، وفي كل مرة أُعاقبه أشعر بالذنب؛ لأن هذا هو السن التي يرتكب فيها الأطفال الحماقات، وأشعر أنني أتصرف بشكل خاطئ رغم أنني تفرغت لتربيته هو وأخته بتجميد دراساتي العليا.
أرجوكم ساعدوني، ماذا أفعل عندما أشعر بالتحرق غضبًا بدلاً من الصراخ أو العقاب الذي أكرهه.
 
الأخت الكريمة:
من أجل ذلك كانت الجنة تحت أقدامكن، ولكن أكثر الناس لا يعلمون!!!
يا أختي، نحن ننحني احترامًا للأمومة التي هي نعمة جليلة تغفل عنها بعض الأمهات؛ حتى يكاد المرء أن يتمنى نزعها عنهن حين يرى كيف تحولن إلى كائنات مزعجة لا تجيد إلا الصراخ في وجه أطفالهن، في حين يسلكن غير هذا مع الأغراب أو حتى أطفال الآخرين!!!
وهذا الصراخ أو السلوك غير السوي يحدث غالبًا تحت تبرير التأديب والتهذيب والتربية وكأننا في غابة أحراش؛ البقاء فيها للأقوى، وكأنَّ أطفالنا هؤلاء أوعية جامدة نفرغ فيها إحباطاتنا، وتأثيرات ضغوط الحياة علينا، بدعوى التقويم والحزم في التوجيه، رغم أن الصراخ يكون غالبًا رد فعل للعجز عن التصرف فهو علامة ضعف على عكس ما يبدو.
 
أرسل لنا بعض الإخوة بتجاربهم في بيوتهم مع الأبناء، والزوجة الصارخة دائمًا المزعجة غالبًا داخل البيت، اللطيفة المجاملة الرقيقة المتفهمة خارجه ومع الآخرين!!!
حتى كاد أحدهم أن يضع قاعدةً أوشك أن أوافقه عليها بأن الأب الذي لا يستطيع تحمل المسئولية ليس أبًا، وأن الأم التي لا تستطيع الحلم والصبر لا تستحق أن تكون أمًّا، وإنه ما كان ينبغي لأي منهما أن يتزوج من الأصل، أو كان عليه أن يتزوج ليمارس الجنس الحلال والحب الحلال، أما الإنجاب فهو شيء آخر كان ينبغي تجنبه!!!
أنا أشكرك على فتح ملف الصراخ في وجه الأطفال؛ لأنه من أهم الملفات في مسألة التربية، وربما تتيح صفحة استشارات تربوية -التي نحن بصدد إضافتها لخدمات موقعنا -تبادل الخبرات والتجارب والنصائح العلمية والعملية حول تربية الأبناء وفيها مسألة الصراخ والعقاب.

وحتى ذلك الحين، فإن خبرتنا كأطباء نفس ومنا من يولّي اهتمامًا أكبر لمرحلة الطفولة ومن خلال حالات كثيرة نتابعها في مجال الممارسة الإكلينكية نقول لك:

أولاً : طفلك الآن في مرحلة تتصف بعدة ملامح منها العناد والنشاط الزائد، وهي مرحلة تمتد إلى بلوغه السنة السادسة من العمر تقريبًا، وهذا العناد والنشاط هو في جانب منه عبارة عن تعبير طبيعي وظهور فطري لوضع جديد في حياة الطفل، يبدأ في الشعور به أكثر مع حركته وتعلمه والكلام.
هذا الوضع يشير على أنه قد أصبح ذاتًا مستقلةً وكائنًا فاعلاً بعيدًا عن أمه التي كان حتى وقت قريب جزءًا منها ماديًّا ونفسيًّا، والحركة والعناد تزداد في الطفل الذكر عن الأنثى لأسباب بيولوجية ونفسية واجتماعية، وتزداد أكثر مع محاولات الكبت والحصار والعقاب غير المناسب التي تبدو وكأنها محاولات لإعادته مرةً أخرى إلى مرحلة غادرها بالفعل حين كانت أنشطته كلها مرهونةً بسماح أو رغبة أو قدرة الأم.
ويجدر التنبيه إلى أن الأنثى أيضًا تنشط وتعاند وتتأثر أيضًا بصراخ الأم وعقابها وربما تتأثر بشكل أعمق من الذَّكَر، ولكنها في أغلب الأحوال تركن إلى ردود الأفعال غير المباشرة، مثل: قضم الأظافر، الإهمال في النظافة الشخصية، وغيرها من السلوكيات الاعتراضية دون مواجهة.
هذه إذن هي ملابسات الحركة والنشاط والعناد عند أطفال ما دون السادسة.

ثانيًا: من أغراض النشاط عند الطفل في هذه المرحلة أن يستكشف العالَم بنفسه، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى كوارث -كما تعرفين-ولكن يظل اللعب والرغبة في التعرف على العالم حقًّا طبيعيًّا وميلا فطريًّا لدى الإنسان السويّ في هذه المرحلة وربما طوال العمر بأشكال مختلفة.
ومصادرة هذا الحق- تحت دعاوى الحماية- أو منع الضوضاء أو عدم تحمل سخافة رغبات الطفل أو إلحاحه تتجاوز -غالبًا- ترشيد الفعل إلى الرغبة في تجاهل الأصل الأصيل والهام لنمو الطفل وشخصيته. وكم نبدو نحن عاجزين (سخفاء) حين نفشل في اقتراح البديل الأكثر مساهمة في تنمية أطفالنا، وحين نبدو جاهلين ببديهيات النفوس وحاجاتها، الأمر الذي يحتاج أحيانًا إلى قليل من التأمل والفطنة!!

ثالثاً: ولعلك تسألين: متى يكون التدخل إذن وكيف؟
وأنا أقول لك: في حالتين أساسًا:
حين يكون هناك تصرف يحمل خطرًا يغلب على الظن حدوثه كالاقتراب من نار الموقد، أو العبث في فتحات الكهرباء، أو اللعب بالسكين الحادة، وينبغي أن يكون التدخل هنا سريعًا وحازمًا، ولكن بغرض التعليم والتعريف أن هذا الفعل خطر، وأنه مرفوض من أجل ذلك وأنه ضار حتى بالكبير... وهكذا.
الحالة الثانية للتدخل عندما يلح الطفل في طلب أمر مخالف لما درج عليه النظام المُتفَق عليه سلفًا كالنوم في مكان معين أو بصورة معينة في غير الموضع المتفق عليه: الأكل في الحمام، أو إلقاء الحذاء في غرفة الطعام … إلخ.
لا ينبغي أن تكون الضوابط أو القواعد كثيرةً أو صعبةَ التطبيقِ ولكن ينبغي التدرب على مراعاتها، ويحتاج هذا إلى دأب وهدوء وحزم، ويمكن تغيير هذه القواعد أو بعضها بتغير الظروف أو بعد اتفاق، كما تم إبرامها عبر اتفاق واضح ومحدد لا لبس فيه ولا غموض ولا تعميم.
أحيانًا يفاجأ الطفل بعقاب؛ لأنه خالف بندًا سريًّا لم يتم الاتفاق عليه بالتحديد، والأفضل أن نتفق على قواعد السلوك القويم بهدوء ووضوح وألاَّ نخالفها -نحن الكبار- كما يحدث أحيانًا، وإذا حدثت مخالفة نعتذر عنها بسرعة وعلانية ودون خجل من الاعتراف.
إن الكبار أيضًا يخطئون أحيانًا والإنسان الجيد هو من يعترف بالخطأ ولا يكرره؛ لأنه لا يوجد إنسان بلا خطأ، هذه المعاني من المهم أن تصل للأطفال.

رابعًا: لاحظي أن الصراخ في وجه الطفل في هذه السن ورغم أن غرضه الأساسي يكون وقف السلوك الذي يراه الصارخ عدوانًا؛ فتكون النتيجة هي تثبيت هذا السلوك العدواني بطريقتين: الأول: كرد فعل عنادي على فعل الأم، والثاني: لأن الصراخ هنا يكون بمثابة فعل تعليمي لسلوك صادر عمن هو في موقع القدوة مما يمنح هذا السلوك شرعيةً ضمنيةً تسبب تثبيته كوسيلة للتعبير والتفاهم وحل المشكلات ومواجهة المواقف.
ونلاحظ أن الأطفال الذين يتعرضون لصراخ الأهل في وجوههم يبدءون في ممارسته تجاه الإخوة أو الأطفال الأصغر منهم في العائلة والمدرسة، وأحيانًا يصبح السلوك موجودًا حتى في وجه الكبار، ويصبح من العبث أن نقول لهم عندها: إن هذا الفعل معيب، ونحن نمارسه يوميًّا!!
ورغم هذا كله يبدو الصراخ عقابًا فاشلاً؛ لأنه دائمًا ما يكون مجرد فعل غير معقول، وغير مُوجَّه؛ فيفقد وظيفته العقابية مقابل تأثيراته السالبة سالفة الذكر، علاوةً على أنه يشيع مناخًا متوترًا في البيت يمس كل من يعيشون فيه، والبيت الذي تعلو فيه الأصوات الكبيرة والصغيرة هو مناخ مناسب ومعروف علميًّا لإنتاج وإفراز مرضى بأعراض نفسية، وأمراض تبدأ من القلق والاكتئاب، وتنتهي في بعض الحالات بالمساهمة في الوصول إلى حالة فصام.
فمن النظريات المعروفة أن الأسرة التي تزيد فيها التعبيرات السالبة من كثرة النقد، وحدة التوجيه، والتوتر المستمر بدون معنى أو هدف، هذه الأسرة تكون مُرشَّحَةً أكثر من غيرها لإنتاج حالات فصام، دون أن يكون هذا المناخ الأسري هو السبب الوحيد للفصام بالطبع.
 
خامسًا: ونصل إلى سؤالك الأخير: ماذا تفعل الأم الغاضبة - أو الأب - عند الشعور بنار الغضب تغلي معها الدماء في عروق الدماغ، وكل الجسد؟!
والإجابة سهلة ومعروفة للبسطاء، ولكن التعليم الرائع الذي تلقيناه، مع الكسل العظيم الذي نستسلم له في شئون التربية والعلاقات الأسرية والاجتماعية، كل هذه العوامل وغيرها جعلتنا مُعوَّقين عاجزين حتى عن إدراك البديهيات الفطرية التي قد يعرفها فلاح حكيم في قرية بعيدة عن المدن "المُتحضِّرة" التي نعيش فيها، يقول الفلاح الفصيح عندما أدخل البيت أنسى همومي على الباب.
لا علاقة للأطفال بمشاكل الكبار ومعاناتهم من مطالب مادية، وضغوط نفسية حياتية متنوعة، فارق هام بين الأطفال والكبار.
إن الأطفال غير مسئولين، وينبغي أن نعرف كيف نتدرج في تدريبهم على تحمل المسئولية بشكل واعٍ، وليس بأن يدفعوا ثمن همومنا نحن الكبار.
ضغوطكِ ومشاكلكِ الناتجة عن شئونك المنزلية أو الدراسية، أو شعوركِ بالتأخير في مجال عملكِ وتخصصكِ... إلخ، كل هذه الأمور هي خاصة بكِ تتعاملين معها، والله معك، ولا علاقة للأبناء بها.
ثم عندما يخطئ أحدهم ينبغي أن تتعلمي كيف تنسحبين من "ساحة المواجهة"، وتؤخرين رد الفعل العقلاني "إلى حين"، إلا في حالات الخطر والخطأ في مخالفة الأنظمة المُتفَق عليها كما أسلفتُ لكِ، والعقاب هنا يكون بهدوء ويهدف أساسًا إلى منع الضرر والرد إلى الأصل المُتفَق عليه، وأن التغيير ممكن ولكن ليس بالصراخ والإلحاح كما سبق وأوضحتُ.

الانسحاب نوعان مادي وذهني. المادي: يكون بمغادرة مسرح الأحداث إلى غرفة أخرى أو النظر إلى السقف أو زاوية الغرفة، وتغيير الوضع البدني بالجلوس من وقوف، أو الحركة من سكون.. إلخ.
والانسحاب الذهني: يكون بالاندماج في اهتمام ذهني آخر فور الشعور بنار الغضب، مثل: التفكير في حفلة العيد القادم، أو التفكير في صديقة تأخرت في الرد على رسالتها.. أو التشاغل بقراءة الجريدة، أو مشاهدة التلفاز، أو سماع موسيقى هادئة..إلخ، يعني.. كأنك لست هنا وسط اللهيب.
وغني عن القول: إن إبداع مجالات نافعة وممتعة لاستثمار طاقة الأطفال هي السبيل الأكثر فاعلية في إخراج هذه الرغبات المشروعة في الفعل والاستقلال، بعيدًا عن الصور التي يتوصلون هم لها بالتفاعل مع البيئة المحيطة، والتي لا تخلو من الأخطار كما تعرفين.
مرة أخرى أجد نفسي مدينًا لك بالشكر الجزيل على فتح هذا الملف الهام، وهنيئًا لكن يا أمهات بالجنة، أما نحن الآباء فلنا الله، ونِعْمَ بالله.
تابعينا بأخبارك، والله معك.

أسهم في هذه الإجابة د. عمرو، د. إيهاب من فريق الحلول.
إسلام أون لاين.نت
 

 أطبع التحقيق أرسل التحقيق لصديق


[   من نحن ? |  البوم الصور | سجل الزوار | راسلنا | الصفحة الرئيسية ]
عدد زوار الموقع : 6357101 زائر

مجموعة المسـاندة لمنع الاعتداء على الطفل والمرأة

جميع الحقوق محفوظة